مقالات

عندما أعدنا بناء الإنسان... أعدنا بناء العالم.

جريدة موطني

عندما أعدنا بناء الإنسان… أعدنا بناء العالم.

عندما أعدنا بناء الإنسان... أعدنا بناء العالم.
كتبت : ساهرة رشيد/ العراق.

في زحمة تفاصيل الحياة اليومية، نغفل أحيانًا عن أبسط الحقائق التي تُشكل جوهر الوجود الإنساني. وقد تحمل قصة صغيرة، نسمعها عرضًا أو نقرؤها صدفة، معاني كبيرة تتجاوز بساطة سردها.

تحكي إحدى القصص عن أب كان يحاول الاستمتاع بقراءة جريدته، بينما كان طفله الصغير يلحّ عليه ويقاطعه باستمرار. وللتخلص من إزعاجه، قرر الأب أن يمنحه “لغزًا” يشغله لبعض الوقت. كانت هناك صفحة في الجريدة تحتوي على خريطة للعالم، فقام بتمزيقها إلى أجزاء صغيرة وطلب من ابنه أن يعيد ترتيبها.

كان الأب واثقًا أن الطفل سيبقى مشغولًا لفترة طويلة، غير أن المفاجأة كانت في عودة الطفل بعد نحو خمس عشرة دقيقة فقط، حاملاً الخريطة وقد رتبها بالشكل الصحيح.

تفاجأ الأب وسأله بدهشة:
“كيف فعلت ذلك؟ هل درست الجغرافيا؟”

فرد الطفل قائلاً:
“لم أنظر إلى الخريطة، لكن على الوجه الآخر من الورقة كانت هناك صورة لإنسان. عندما أعدت ترتيب صورة الإنسان، عادت خريطة العالم كما كانت.”

هذا الرد العفوي يحمل في طيّاته رسالة عميقة، تتجاوز حدود الطفولة والتسلية:
العالم لن يكون في وضعه الصحيح ما لم يكن الإنسان في داخله سليمًا.

إن الأزمات الكبرى التي يشهدها العالم – سواء كانت سياسية، اجتماعية، اقتصادية أو بيئية – غالبًا ما تعود إلى اختلالات في القيم والسلوك والفكر. حين ينهار الإنسان من الداخل، ينهار كل شيء حوله. وحين يُرمَّم وعيه ويُبنى من جديد على أسس من العدالة والرحمة والمعرفة، يبدأ التغيير الحقيقي بالظهور، ويتبدّل وجه العالم.

ليست القضية في إصلاح الخريطة، بل في إعادة تشكيل الإنسان. فالأوطان تبنى بالناس، والمجتمعات تنهض حين ينهض أبناؤها، لا حين تُرسم لهم خرائط جديدة فقط.

تدعونا هذه القصة إلى مراجعة ذواتنا، وإعادة ترتيب الداخل قبل أن نطالب بتغيير الخارج. فكما رأى الطفل ببصيرته، عندما يُعاد بناء الإنسان… يُعاد بناء العالم.

عندما أعدنا بناء الإنسان… أعدنا بناء العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى